حبّة مطر ..
في نهاية أكتوبر بـواحد من أكبر شوارع القاهرة الحبيبة بينما كنت أقود سيارتي في نهار ممطر مليئ بـالمهام مع درجة حرارة معتدلة ورائحة المطر الثرية بأحلام سنوات العمر الماضية و تدافع مساحات زجاج السيارة مع قطرات المطر التي اشتدت وكبر حجمها , لـترتطم أكثر بالزجاج و كأنها تدق بقوة على أوتار الحنين لتسمعني هذا الصوت الدافئ الخالي من الحروف لكل ماهو نقي وحنون لـيشبه صوت أمي .
انعدمت الرؤية بعض الشئ وكسى السحاب السماء ومازالت السعادة ترتسم على شفتاي فـعشقي لتلك اللحظات يهون كل المشاقَ , وظننت أن الجميع كذلك ,
ودون قصد انحرفت سيارتي عن مسارها قليلاً قليلاً نحو اليمين وإذا بـصاحب السيارة المجاورة والذي كان برفقته عائلته يقوم بـالكسر المتعمد على سيارتي وأشاح بيده , وكأنه لطم على وجه لحظاتي الدافئة وإذا بـحبات المطر يقل حجمها ويتراجع تدافعها وكأنها تشاركني خيبة أملي في توقعاتي أو أنها أجلّت حديثها من أجلي حتى أعود بخيالي وهذا ما عرفته فيما بعد عندما ذهبت تلك الفكرة التي أوحى لي بها جاري في الطريق صاحب السيارة وكانت آخر حبة مطر قد ألقت بها و ذهبت إلى أن حاولت الشمس مناهضة السحاب لـ تُظهر جزءاً يسيراً من بينه و كأنها تلقي الضوء على فكرتي لتسطع وترتبط بمفهوم الإنتقام .
و بقي السؤال لماذا هذا الردَ السريع على فعل لم يكن مقصوداً مني ومن شخص لا يعرفني, و ما الذي دفع بصاحبه لإتخاذ خطوة قوية ودون تفكير في الأخذ بالثأر ومرَ في ذاكرتي شريط يحمل أمثلة مختلفة لأشخاص مشابهين في نفس الصفة ولكن بأشكال مختلفة.
البعض لن تُطفىء ناره سوى بالرد السريع وإن لم تسمح الفرصة لن ينسى ويتحين الفرصة المناسبة للأخذ من غريمه قد يكون بالقول وأحياناً بالفعل إن استطاع لن يُقصر في ذلك .
و مبرره الوحيد أنه حقه .. متى كان الإنتقام حق .. !
الدفاع عن الحق محاولات هامة في حياتنا وله صور مختلفة غير إلحاق الضرر السريع بـالآخر دون حتى ترك الفرصة له للإعتذار.
ذكرني هذا أيضاً بما قد نربي أبناءنا عليه من مبادئ خاطئة يكون مضمونها جملة ( خذ حقك بيدك ولا تتركه) دون أن نوضح الفرق الكبير بين الدفاع عن الحق والإنتقام من أجله هيهات بين هذا و ذاك .
يقف الله مع المظلوم متى وكلَ أمره لله وما أدراك ما إنتقام الله وما عوضه, أظنه لن يأتي سوى بالصبر و الإحتساب , و ترك كبرى الأمور لله سبحانه وتعالى واليقين بأنه وحده قادر على الأخذ من كل من أذاك , والله لو علمنا قدر انتقام الله من ظالم استغل ضعف غيره لأشفقنا على هذا الظالم .
أما الأمور البسيطة المرتبطة بالأحداث اليومية فمن الصعب بل والقاسي أن نقضيها في الإنتقام من بعضنا البعض وتعمد إحراج شخص ما لأنه أحرجك ذات مرة ,
أو انتظار موقف ملائم للرد على فلان لأنني لم أرد عليه كما يجب , يجلس الشيطان في خلوةِ معنّا ويُلقن مسامعنا بردود نظن أنها كانت واجبة حيال بعض المواقف وهذا ليس حقيقي .
تسامحك وصمتك لا يوصف أبداً بالضعف ولكنه نقطة قوة على طريق إنسانيتك ,
لا تحزن عليها ولا تقتدي بهؤلاء مختلسي التسامح .
لبنة الحياة الأقوى من الإجتهاد والعمل والإرادة هي تساهيل الله وتيسيره لأمورنا وهذا لن يزهر لـثمرة الإنتقام .
وعادت السماء ترحب بإلتحام السُحب مرة أخرى لـتغلق تلك البؤرة الصغيرة التي تسرب منها ضوء الشمس وكأنها تذكرني بأن وقت الفكرة الدخيلة قد انتهى و ها هو وقتك أنتِ فقد انتظر السحاب من أجلك ولن يملك الإنتظار أكثر من ذلك .
هيا فلن تتكرر تلك اللحظات كثيراً أكملي شحن لحظاتك بعيداً عن هفوات البشر ..
و ابتسمت من جديد فقد عاد المطر لـيشتد و يعلو معه صوت الألحان على زجاج سيارتي....
وهلّلت أساريري مُرحبة لآخرِ " حبّة مطر "
Amal Elfeky