رشفة فنجان
تأخرت في النشر هذه المرة رغم أن لدي العديد من الموضوعات المكتوبة لأني شعرت بالرغبة في قول شئ يطرق بابي ويذهب ولم ألحق به كلما هممت بالكتابة عنه وكأنه يقف على حافة حلقي لا أستطيع ابتلاعه ونسيانه ولا أتمكن من إخراج غيره...
أتلفت هنا وهناك وظله يسبق خيالي.. يفرض نفسه كل دقيقة يطل علينا من كل نافذة وكان ليس لي سبيلاً غير ملاحقته كل ليلة لأحدد ماهو إلى أن استحضرت إحساسي بضوء شمعة لها رائحة التوت البري ربما يكون غير مناسباً لحديثي هذا الجو الذي ينم عن الرومانسية الحالمة التي اغتصبتها منا الأحداث المحيطة على شاشات التلفاز ووسائل التواصل الإجتماعي والأخلاقيات البالية المبعثرة هنا وهناك
لا نعرف هل التكنولوجيا أم الماديات.. أم الأنانية
ماهذا الكم من الفُجور في الحديث.. ماهذا الكم من القضايا الخادشة للإحساس لا للحياء فقط
ماذا الذي نراه حولنا
من الطبيعي أن نشعر جميعاً بالضغط النفسي ولا نعلم ما السبب.. حتى المظاهر تجردت من الأناقة أصبح المهربد من الثياب هو الأحدث
والمتسخ والغير منمق والألوان المفزعة هي التي تفرض نفسها... الموسيقى الصاخبة و الكلمات المستفزة
حتى اللغة أصبح المهذبون في الحديث موضة قديمة))
إلى متى سنترك أنفسنا نرى مالا نريد ونسمع ما يجب أن نغلق آذاننا عنه.. لنقول مالا نشعر
أين المفر هل بالتجاوب ووهم أنفسنا أننا لم نتأثر أم بصنع عالم صغير يحيط بنا فقط تفاصيله من تكويننا
أجد نفسي عندما أمعن النظر لقطعة نحاس قديمة تأخذني في تفاصيلها مع فنجان من القهوة المصنوع بطريقة جدتي
أظن أني لست وحدي هكذا.. الكثير مثلي يشعر ما أشعر به يجد نفسه في مساحات الفراغ الكبيرة بين الأشياء في الصور و المشاهد القديمة.. براااااح
تزداد مساحة الشوارع ويقل عدد المارة وتتضح تفاصيل الأشياء عامود الإنارة هناك لم يوضع عليه لافتات دعائية ولا كتابات ثورية لونه رمادي يميل للون الداكن فقط من حرارة الشمس لجانب بعضاً من الأتربة
الأرصفة بحجرها الأسمنتي مازال المطر يؤثر فيها ويكشف جمال لونها... هناك في الطرقات صخور بازلتيه منذ القدم يتجدد رونقها مع سطوع الشمس ويزداد لمعانها متلألئة مع الأسفلت عند هطول المطر عليها
هناك لوح مستدير من الحديد المختوم برقم هيئة الصرف الصحي يغطي غرف التفتيش بالشوارع لم يحدث صوتاً عند مرور العربات عليه فقد كان من الحديد المسبوك الثقيل
مداخل الأبنية باردة رطبة لها سقف مرتفع درجات سلمها من الرخام النقي مساحة الدرج كبيرة درابزين السلم من الحديد المزخرف عندما تصعد السلم قد تلقي بهموم يومك على كل سلمة تلو الأخرى تسمع رنين صوت أقدامك في رحلتك لباب بيتك الدقائق كانت أطول و تظل المساحات كبيرة بين كل شئ و الآخر
في داخل بيتك تتكلم وتسمع تنتظر وتُكمل فهناك المجال لذلك.. يفصل الوقت برحابته صوت الآذان عن الآخر تستمتع في الذهاب للصلاة فـلست على عجلة من أمرك تتناول الطعام ببطئ فقد اجتمعت الأسرة لتتبادل أخبارها لم يشاركهم جهاز تلفاز بغرفة الطعام ولا أجهزة ذكية في يد كل فرد من أفرادها
صوت المذياع في الصباح وهو يرتبط بأذهاننا بأعذب الألحان
دقات خطوات الأم وهي ترتدي هذا الثوب الذي يحمل زهوراً وردية متفاوتة الحجم أكبرها لا يتعدى عقلة الإصبع الواحد وأصغرها في حجم حبة الحمص تختلف في وضعيتها لتشكل باقة صغيرة جميلة تفصلها وريقات زيتونية بعضاً من أطرافها مائلاً للأصفر الكناري ... عندما تقع عيناك على إحداها تهدأ وتأخذك من يومك رحابة الحياة في صورة يمكنك صنعها مع فنجان قهوتك الصباحيةلا تترك نفسك لتحركك الحياة كما تريد اصنع عالمك و اخلد إليه هرباً من المفروض عليك كلما استطعت ذلك وقبل أن تضيق
قد يكون فنجاناً من القهوة كفيلاً بهذا فـارتشف منه ببطئ واستعد أعمق ما بك بعيداً عن جدلها
فـ ماهي سوى " رشفة فنجان "