تنقيبات جديدة تكشف آثاراً مهمة تحكي تاريخ سكان أبوظبي الأوائل في جزيرة مروح وموقع بينونة الأثري
وفي تعليقه على المكتشفات الأخيرة، قال سعادة محمد خليفة المبارك، رئيس مجلس إدارة هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة: "أظهرت هذه المكتشفات أساليب البناء المتقدمة التي اعتمدها سكان هذه المناطق في أبوظبي خلال العصر الحجري الحديث، وتتيح للخبراء والآثاريين معلومات عن تاريخ تطور الإمارة ومعرفة تفاصيل مهمة في حياة سكانها الأوائل. وتدفعنا هذه االإكتشافات المهمة إلى تكثيف جهودنا والاستمرار في عمليات التنقيب وإجراء دراسات مهمة لفهم نمط حياة أسلافنا، وطبيعة أرضنا وتاريخها، وتوفير هذه المعلومات لأجيالنا القادمة".
جزيرة مروح
وكشفت التنقيبات الأثرية في جزيرة مروح قبالة سواحل أبوظبي عن واحدة من أولى القرى الحجرية التي تم بناؤها في منطقة الخليج العربي. وركزت عمليات التنقيب التي اكتملت في شهر أكتوبر من العام الماضي، على واحدة من 7 تلال لتكشف عن بناء معماري لثلاث غرف حجرية متصلة. وقال عبدالله خلفان الكعبي، أخصائي آثار التراث الساحلي في إدارة البيئة التاريخية في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة: "أظهر اختبار الكربون المشع لهذه اللقى الأثرية أن القرية تعود إلى العصر الحجري الحديث قبل أكثر من 7,500 عام. ويعتبر نمط العمارة هذا فريداً بالنسبة لتلك الفترة، ولم يسبق اكتشافه من قبل في منطقة الجزيرة العربية".
وأضاف الكعبي: "يشرفني العمل في هذين الموقعين المهمين اللذين يكشفان الكثير من المعلومات عن تاريخ بلادنا العميق. وستوفر المكتشفات التي نعثر عليها اليوم معلومات مهمة مستقبلاً لباقة واسعة من وسائل الإعلام بدأً من الكتب والأفلام ووصولاً إلى المتاحف والمناهج المدرسية المحلية. ولا يمكن اكتساب هذا النوع من المعارف إلا من خلال التنقيب والدراسة الدقيقة لمثل هذه المواقع الأثرية".
وساعدت االإكتشافات الأثرية خبراء الآثار في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة على تصور ملامح حياة السكان الأوائل قبل 7,500 عام؛ حيث بينت استخدامهم لأدوات حجرية لصيد الحيوانات مثل الغزلان، وعرفوا أيضاً تربية الماشية. كما أن الكميات الكبيرة من عظام الأسماك وبقر البحر والسلاحف والدلافين كشفت عن فهمهم للبحر واستخدام موارده كمصدر مهم للغذاء. وتم أيضاً اكتشاف حبات خرز صغيرة مصنوعة من الأصداف وناب لسمكة قرش تم ثقبها بعناية كبيرة واستخدامها لغرض الزينة. واستخدم سكان جزيرة مروح أيضاً البحر لغرض التجارة، حيث تم فيها سابقاً اكتشاف جرة خزفية، أظهرت دراستها أنها من منطقة بلاد الرافدين، وقد تم نقل هذه الجرة لمسافة تقارب 1000 كيلومتر، لتكون بذلك أحد البراهين الأولى على التجارة البحرية لمسافات طويلة عبر الخليج العربي.
وكانت معدلات هطول الأمطار في جزيرة مروح قبل 6 آلاف عام أكثر مما هي عليه اليوم، حيث تغير حال المنطقة لتغدو قاحلةً للغاية. ويعتقد أن هذا كان سبب انتقال سكانها إلى مناطق أخرى. وبعد التخلي عن القرية، استخدم السكان بعض الغرف لدفن أمواتهم؛ حيث تم العثور على هيكلين عظميين في هذه الغرف. وقال أحمد عبدالله الحاج الفكي، خبير الآثار من هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة: "إن هذه الطريقة في دفن الموتى تتشابه مع نظيرتها في مدافن العصر الحجري الأخرى على غرار مدافن جبل البحيص في إمارة الشارقة، وسيقوم خبراء متخصصون بفحص بقايا الهياكل العظمية خلال فترة قصيرة لاكتشاف مزيد من المعلومات حول عمر أصحاب هذه الهياكل وصحتهم".
موقع بينونة
وكشفت عمليات التنقيب الجديدة في بينونة على مسافة 130 كيلومتراً جنوب شرق أبوظبي عن جانب آخر من جوانب الحياة القديمة في الإمارة. حيث تناثرت على سطح صحرائها أجزاء بيضاء اللون لعظام حيوانات يُعتقد أنها بقايا لإبل برية تم اصطيادها قبل 6500 عام. وأظهرت الأبحاث أن الناس كانوا يستدرجون هذه الحيوانات إلى أرض رطبة ( الوحل ) في بينونة تؤثر على أخفاف الإبل فتغدو غير قادرة على السير.
وأضاف الفكي: "كان صيد هذه الحيوانات البرية الضخمة يشكل تحدياً كبيراً آنذاك، ولذلك فإن إبطاء سرعة الحيوانات يمنح الصيادين فرصة اصطياد المزيد من الإبل. كما أن اكتشاف رأس رمح مصنوع من حجر الصوان داخل القفص الصدري لأحد الحيوانات يوضح آلية اصطيادها".
وشكلت بينونة دليلاً واضحاً على عمليات الصيد الواسعة لحيوانات الإبل البرية في المنطقة. ومن خلال صيد هذه الحيوانات، اكتسب سكانها الكثير من المعارف حول عاداتها الطبيعية وكانت هذه المعلومات ضرورية لترويض الإبل خلال فترة لاحقة. ولم يكن مستغرباً أن تبيّن الأبحاث العلمية الأخرى بأن جنوب شرق المنطقة العربية كان موقعاً لترويض الإبل البرية.
وشكل لحم هذه الإبل مصدراً غذائياً مهماً للسكان في ذلك الوقت الذي كانت تميل فيه مصادر الغذاء الأخرى إلى الندرة شيئاً فشيئاً، حيث كان اصطياد طريدة كبيرة كافياً لإطعام قبيلة بكاملها. وأكدت مواقع أخرى مثل الصفوح في دبي استمرار هذا النمط من صيد الإبل حتى العصر البرونزي.
ويعمل خبراء الآثار في بينونة اليوم على التعمق أكثر في فهم بيولوجية الإبل البرية، حيث تم اكتشاف هيكل عظمي كامل تقريباً في الموقع، ويحظى ذلك بأهمية خاصة باعتبار أن تلك الإبل انقرضت ولا توجد معلومات أو دراسات عنها حالياً. ومازالت عمليات التنقيب مستمرة في كلا الموقعين.